الليلة الكبيرة: احتفال الشعب وسحر الموالد في الثقافة المصرية

“الليلة الكبيرة” حالة شعبية فنية وثقافية متكاملة. إنها مرآة للروح المصرية البسيطة، حيث يمتزج الإيمان بالفرح، والطقس بالاحتفال، والجد بالهزل. تُقام الليلة الكبيرة في ختام الموالد، وعلى رأسها مولد السيد البدوي في طنطا أو مولد الحسين في القاهرة، وتُعد واحدة من أهم الظواهر الشعبية التي تعكس تنوع الموروث الصوفي والاحتفالي في مصر.

“الليلة الكبيرة” هي الليلة الختامية لمولد أحد الأولياء الصالحين، حيث تبلغ الاحتفالات ذروتها، ويجتمع فيها آلاف الناس من مختلف أنحاء البلاد. وتمثل الليلة مزيجًا بين الطقوس الدينية (مثل الذِكر والمديح) والعروض الشعبية والفنية (مثل الأراجوز، السيرك، والحكواتي).

ارتبطت الليلة الكبيرة في وجدان المصريين بالعرض الشهير الذي قدّمه صلاح جاهين (كلمات) وسيد مكاوي (موسيقى) في أوبريت الليلة الكبيرة، وهو أحد أشهر أعمال مسرح العرائس المصري. هذا العمل عبّر ببراعة عن عالم الموالد الشعبي، من خلال أصوات الباعة، المتصوفة، الأطفال، الدراويش، والأراجوز، في صورة فنية خالدة أصبحت جزءًا من التراث.

“الليلة الكبيرة يا عُمّي والعالم كتير… مالين الشوادر يابا من الريف والبنادر…”

🕯️ الزينة والأنوار:

السرادقات تنتشر، الأنوار تملأ الميادين، والرايات ترفرف على أنغام المديح والسيرة.

🎶 حلقات الذكر والمديح:

فرق الإنشاد الصوفي تقدّم عروضًا روحية، يتمايل فيها الحضور على إيقاع الطبول والدفوف.

🤹‍♂️ الألعاب الشعبية:

من الأراجوز وخيال الظل إلى ألعاب المراجيح والحصان الخشبي، يتحول المولد إلى سيرك شعبي مفتوح.

🍬 الحلويات والأطعمة:

الحمصية، الملبن، الفولية، وعربات الكشري والبطاطا تجذب الصغار والكبار.

رغم مرور الزمن، لم تفقد الليلة الكبيرة بريقها، لكنها أصبحت أقل زخمًا في بعض المناطق بفعل التحديث والظروف الأمنية أو الاقتصادية. ومع ذلك، لا تزال القاهرة وطنطا تحتفظان بوهجها في الموالد الكبرى، وتُقام الفعاليات بحضور جماهيري ضخم.

كما بدأت بعض الفرق المسرحية والموسيقية إعادة تقديم أوبريت الليلة الكبيرة بشكل حديث، مما ساعد على إحياء التراث بشكل معاصر يصل إلى أجيال جديدة.

الليلة الكبيرة ليست فقط احتفالًا دينيًا أو تقليدًا شعبيًا، بل هي فن حي، ومشهد مجتمعي متكامل. هي التعبير الأجمل عن تلاحم المصريين في فرحهم وإيمانهم، وتظل واحدة من أكثر صور الحياة الشعبية حيوية وصدقًا، في بلد يكتب تاريخه ليس فقط بالكتب، بل بالأغاني والأنوار، والذكر، والضحك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى