سمر حسين: صوت معاصر يُنقذ التراث الشعبي من النسيان

في زمنٍ طغت فيه الموسيقى التجارية على الساحة، يبرز اسم سمر حسين كواحد من أبرز الأصوات النسائية التي حملت على عاتقها مهمة إحياء الأغنية الشعبية المصرية، لا بتقليد الماضي، بل بتقديمه في ثوب جديد معاصر دون أن يفقد روحه الأصيلة.


أسست سمر فرقتها الموسيقية الخاصة، لتبدأ رحلة شجاعة نحو إعادة اكتشاف الأغاني المنسية من تراث مصر، من الصعيد إلى الدلتا إلى النوبة. في حفلاتها، تعيد تقديم أغنيات مثل:

  • يا ساكن في العلالي
  • الدلة يا حلو
  • بعتلك يا حبيبي جواب

ولا تكتفي بإعادة الأداء، بل تقوم أحيانًا بإعادة تلحين أو كتابة بعض المقاطع لتتناسب مع السياق الحديث، دون أن تمس جوهرها الشعبي.


تتميّز سمر بصوت دافئ، قوي، حنون، يحمل ملامح الريف المصري؛ فيه خشونة الأرض ودفء النيل. تُتقن استخدام آلة الدف كجزء لا يتجزأ من أدائها، في تفاعلٍ جسدي وبصري مع الإيقاع يضفي على عروضها طابعًا طقسيًا آسرًا.

تعتمد في فرقتها على الآلات التقليدية كـ”الدف” و”الطبلة”، إلى جانب توزيع موسيقي بسيط يُبرز كلمات الأغاني وتعبيراتها الحسية. تسعى من خلال هذا التوازن إلى ربط الجمهور الحديث بجوهر الأغنية الشعبية.


مشروع سمر حسين لا يقتصر على الترفيه، بل هو رسالة ثقافية تهدف إلى حماية التراث الغنائي المصري من الاندثار. في كل عرض، تحيي أنماطًا غنائية كانت تُؤدى في الزار، الأفراح، مواسم الحصاد، والتهاليل، وتعيد تسليط الضوء على أغانٍ نقلتها الجدّات شفهيًا عبر الأجيال.


ما يُميز تجربة سمر هو قدرتها على جذب جمهور متنوع، خاصة من الشباب والمثقفين المهتمين بالهوية والعمق الثقافي. بعيدًا عن الصخب التجاري، تنجح عروضها في خلق حالة وجدانية مع الجمهور، تُحاكي الذاكرة وتفتح نوافذ على الموروث الشعبي الذي كاد يُنسى.


تؤمن سمر أن التراث ليس ماضٍ يجب حفظه فقط، بل حاضرٌ يمكن أن يتجدد، ولهذا تصر على تقديمه بشكل يليق بذوق اليوم دون أن يُفقد هويته. بفضل شغفها وصدقها الفني، تُعد سمر حسين اليوم من أهم رموز الغناء الشعبي المعاصر، وأحد الأصوات التي أعادت للأغنية الشعبية اعتبارها وجمالها وعمقها.

من خلال مشروعها الفني، تُثبت سمر حسين أن الفن الشعبي المصري لا يزال قادرًا على الحياة، شرط أن يُقدَّم بصدق، حب، وفهم عميق لجذوره. تجربتها تُعد شهادة حيّة على أن التراث، حين يُصاغ بروح معاصرة، لا يشيخ ولا يُنسى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى