فرقة النيل للآلات الشعبية: صوت التراث المصري في زمن الحداثة

“حين تتكلم الآلات… فرقة النيل تروي حكاية شعب بألحان الزمن الجميل”
في قلب التراث المصري الأصيل، تتألق فرقة النيل للآلات الشعبية كواحدة من أبرز الفرق الفنية التي حافظت على روح الموسيقى الشعبية المصرية، ونقلتها من جيل إلى جيل. تأسست الفرقة بهدف إحياء الفلكلور المصري الأصيل وتقديمه في قالب فني معاصر يمزج بين عبق الماضي وإبداع الحاضر.
تتميز فرقة النيل بأدائها الفريد الذي يعتمد على الآلات التقليدية مثل الربابة، والمزمار، والطبلة، والسمسمية، ما يعكس تنوع وغنى التراث الموسيقي في مختلف مناطق مصر. ومن خلال عروضها المتنقلة داخل وخارج البلاد، نجحت الفرقة في إيصال الصوت الشعبي المصري إلى جمهور عالمي، لتصبح سفيرة فنية لثقافة مصر الشعبية.
ليست فرقة النيل للآلات الشعبية مجرد فرقة موسيقية، بل هي مشروع ثقافي وفني يسعى إلى توثيق التراث وتعريف الأجيال الجديدة بقيمة الفن الشعبي كمرآة حقيقية للهوية المصرية الأصيلة.
تُعد الفرقة مرجعًا في الغناء والموسيقى التراثية، ويبلغ عدد أعضائها 55 فنانًا اجتمعوا من كل ركن وقرية ونجع من ربوع مصر، ليعبر كل فنان منهم عما اختزنه من إبداع شعبي. وتُعد فرقة النيل للآلات الشعبية أضخم فرقة مصرية متخصصة في التراث الشعبي، وتقدم عروضها أسبوعيًا في بيت السحيمي بحي الأزهر في مصر القديمة.
ظهرت الفرقة عام 1955 بعد قيام ثورة يوليو، وكان ظهورها ثوريًا في طبيعته، إذ جاءت لتكون معادلاً موضوعيًا للتعبير عن هوية مصر بعد فترة الاحتلال، من خلال غناء يعكس نبض الشعب وتاريخه، وليس محاكاة للفنون الأجنبية.
ويؤكد المخرج المسرحي عبد الرحمن الشافعي، المشرف على الفرقة، أن انبهار الجمهور الأجنبي بالأغاني والرقصات والمواويل الشعبية المصرية هو دليل على أن لدينا تراثًا غنيًا يُبهر العالم، مضيفًا أن الفرقة من أضخم وأقدم الفرق الشعبية في مصر، حيث لم تكن هناك فرق مماثلة قبل الثورة، وكان الاعتماد على الرقص والاستعراضات الأجنبية. وجاء الفنان الراحل زكريا الحجاوي في منتصف الخمسينيات بفكرته الرائدة، فقام بجولة في أقاليم مصر لجمع التراث من القرى والنجوع، وأسّس هذه الفرقة لتعبر عن التراث الشعبي الحقيقي.
تتميز فرقة النيل بطابعها الشعبي الأصيل من خلال استخدام آلات مصرية مثل الربابة، والدفوف، والناي، مع دمج الغناء الشعبي بالذكر، والرقص، والإنشاد، والأغاني الوطنية، وإيقاعات الزار. كما تنوع أعضاء الفرقة بين صعيديين، وبدو، وسواحليين، رجالاً ونساءً، شبابًا وشيوخًا، ومن أبرز أسمائها:
رضا شيحة، فاطمة سرحان، خضرة محمد خضر، محمد طه، نوار صبحي، نعمة محمد، الريس إسماعيل القليوبي، الريس عارف القناوي.
وقد قدّم العديد من أعضاء الفرقة، إلى جانب العروض الموسيقية، أعمالًا مسرحية وملاحم شعبية بارزة، مثل: ملاعيب شيحة، ابن عروس، شفيقة ومتولي، مولد يا سيد يا بدوي، وغيرها من الأعمال التي حرص المخرج عبد الرحمن الشافعي على أن تكون الفرقة جزءًا منها.
تمثل فرقة النيل للآلات الشعبية صوتًا حيًّا لذاكرة الوطن، ومرآة تعكس تنوع وجمال التراث الموسيقي المصري. ومن خلال التزامها الفني، لا تُحيي فقط الألحان القديمة، بل تبعث فيها روحًا جديدة تجعلها حاضرة في وجدان الأجيال المعاصرة. وبين أنغام الربابة وإيقاعات الطبلة، تواصل الفرقة رسالتها في الحفاظ على الموروث الشعبي وتقديمه للعالم بكل فخر واعتزاز.
إنها ليست مجرد فرقة فنية، بل رمز حيّ لروح مصر الأصيلة التي لا تنطفئ.