وائل الفشني.. صوت من قلب التراث يُغني للحاضر

في زمنٍ تتشابه فيه الأصوات وتُسطَّح فيه التجارب، يبرز وائل الفشني كأحد الأصوات النادرة التي تشق طريقها من عمق التراث إلى قلب الحاضر، حاملاً معه نغمة لا تشبه أحدًا.


من مركز الفشن بمحافظة بني سويف، خرج صوت الفشني حاملاً إرثًا صعيديًا عريقًا، وغذّاه بموروثٍ روحيٍ متنوع. نشأ في بيت يُقدّس الفن، فجده الشيخ أحمد الفشني كان من كبار قراء القرآن، وتأثر وائل أيضًا بالموسيقى الكنسية التي اختلطت في وجدانه بإنشاد الصعيد وموشحات الطرق الصوفية.
بدأ حياته الفنية عازفًا على آلة الرق، ثم تطور إلى الغناء والإنشاد، ليُصبح اليوم أحد أعذب وأعمق الأصوات في الساحة الفنية المصرية.


كانت انطلاقته كموسيقي مع فرقة “سويك” بقيادة الفنان رؤوف الجنيني، حيث أدخل الرق الشرقي إلى تركيبات موسيقية عالمية. ثم التحق بفرقة الموسيقار فتحي سلامة، وواصل تطوير أدواته إلى أن منحه الفنان علي الحجار الفرصة التي قلبت الموازين: الغناء على المسرح.

منذ تلك اللحظة، لم يعد وائل الفشني مجرد عازف موهوب، بل مشروع فني متكامل يسعى إلى إحياء التراث الصوفي والشعبي، بروح حديثة لا تفقد هويتها.


تُعد أعمال الفشني في تترات المسلسلات علامات فارقة في الدراما المصرية. في “واحة الغروب”، “طايع”، و”الاختيار”، جاء صوته محمَّلًا بالعاطفة والتاريخ، ممزوجًا باللحن الذي يكتبه ويؤلفه بنفسه، مستلهمًا من الجذور النوبية والصعيدية والعربية.

لا يرى الفشني تترات المسلسلات كمجرد “مقدمة موسيقية”، بل يعتبرها رأس الحربة التي تُمهّد لعالم القصة، وتربط المشاهد بالدراما على مستوى وجداني عميق.


أثبت وائل الفشني حضوره في أهم المناسبات الوطنية، مثل مشاركته المؤثرة في احتفالية افتتاح طريق الكباش بالأقصر، حين قدّم أغنية “الأقصر بلدنا” بأسلوب أعاد للأذهان سحر الصوت المصري الأصيل.
يؤمن الفشني أن الفن هو رسالة ووجدان، وليس مجرد أداء أو شهرة، ولهذا يختار أعماله بدقة، ويحرص أن تعكس هوية مصر الثقافية، خاصة في زمن الانفتاح السريع والعولمة.


لا ينتمي وائل الفشني إلى أي تصنيف تقليدي. فهو ليس فقط مطربًا، ولا فقط منشدًا، بل هو صوت يحمل ذاكرة مصر ويعيد تقديمها بلغة يفهمها جيل اليوم. في أغانيه، تتقاطع روح جده الشيخ، مع نبض الشارع المصري الحديث، لتنتج تجربة فنية أصيلة، إنسانية، وعابرة للزمن.


في زمن تغلب فيه الصيغ التجارية على المحتوى، يبقى وائل الفشني صوتًا مختلفًا. لا يسعى لاحتلال “الترند”، بل للوصول إلى القلوب. بصوته العميق، ورؤيته الواضحة، يُثبت أن الفن الحقيقي يُقاس بعمق الأثر، لا بعدد المشاهدات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى